الاثنين، 25 يونيو 2012

وهكذا نكون


(1) وتظل دائماً أنت

... مساء 29 سبتمبر 2009, دخلت إلي غرفتها وهي تنزع عنها ملابس الخريف, بلوزه طويلة بأكمام طويلة من اللون العنابي وبنطلون جينز بلون اخضر كلون الزيتون مع اكسسوارات نحاسية اللون, كانت عاداتها اليومية ترمي ملابسها وحذائها علي أرضية الغرفة وتخرج من خزانة ملابسها المنزلية كـبيجامة رمادية اللون, وتقرر الجلوس أمام حاسوبها الإلكتروني لتتفقد بريدها وتنتظر.... دخلت والدتها وهي تحمل صينية عليها فينجانين من الشاي بحليب وفطيرتين مع عسل اسود بالطحينة والجبنة القديمة قائلة " انا جبت العشاء "... تتأمل لساعات وساعات شاشة الحاسوب تاره وشاشة التلفاز تاره وتشرد بخيالها تاره أخري, يأتيها صوت شقيقها من الخارج بوضوح شديد... يقتحم غرفتها بدون تنبيه مسبق ...يقفز من حولها ويحتضنها " بحبها ... بحبها ... بكره خلاص هاقولها بحبها" تغمره بحنانها المعتاد وتدمع عينيها " أخويا الصغير بيحب ... حكمتك يا رب". يمسح بكفه دموعها " بس أنتي هاتفضلي دايما حبي الاول ..."  


(2) شئً بيننا إسمه .. ذكري.

كان صوتها الملئ بالمشاعر المتخبطة واضحً له عبر الهاتف ... مرتبكه... خائفة ... سعيدة ... منهاره في البكاء " أنا حامل ". تمر الأيام والشهور ... بين نكد وسعادة ... بين ثمنة واضحه غير راضية عنها وبين جسد جديد ينموا بداخلها تشتاق له . في اخر شهر من شهور الحمل يبدأ عدها التنازلي ودقت ساعة الصفر ... يتوحد ألم المخاض مع ألم حاد أصاب رأسها فاجأة... تصرخ من شدة الالم ... تخبر الطبيب ومن حولها " مش شايفة حاجة ... مش شايفة حاجة" ... يطلب منها دفعة قوية أخري أخيره .... تختفي جميع الاصوات من حولها إلا صوت طفلها ... تبتسم له ... تمد يديها لتحتضنه . بعد عام واحد من الولادة ... يأخذ الاب المولود إلي المدافن ويقف أمام مدفن مكتوب عليه " شمس موريس ... زوجة وأم ... 1984_ 2010" ... يضع الازهار علي قبرها ... "ذكري بقي عمرها سنة النهاردة".  

(3) هكذا أحبك...

تمضي أيامه بدونها في تثاقل شديد بدون تغير إلي أن يأتيه بصوتها المرح المنطلق الحر مثلها " وحشتني " ... إعتاد إختفائها لأيام وأيام وبرغم تلك العادة كان يـ مقت نفسه لانتظارها ... كان يؤلمة بقوة حبه لها وتصرفاتها الغريبة معه ...ضاع كثيراً وهو حائر هل تحبني ؟ أم أنني إحدي نزواتها ... ضعفها بين يديه ... تعبيرها المتقن عن مشاعرها بالكلمات والجسد والهمسات... جعلت تائه الخطوات بين التقدم أو الرجوع... إلي أن قرر مواجهتها " بتحبيني ؟؟" _" طبعاً بحبك " " خلاص تعالي نتجوز ..." تضحك وتضحك وتضحك ... إلي أن تتحول ضحكاتها المستفزه إلي دموع " لاء" _" يا سلام كل دا ؟؟ وبعدين لاء ليه؟؟ مادام بتحبيني وبحبك ". " زمان طلبت منك تحدد موقفك معايا وأنت رفضت ... فا حبيتك بالطريقة نفسها إلي حبتني بيها... كنت تختفي وترجع ... ولوحد مني تزعل وبكلامك توجع ... لحد ما تعودت أحبك كده ومعدش غير كده ينفع".


(4) كوتشينا ....


كانت من فتره إلي اخري ترسل له بريداً جديد ... يحتوي حكاية ... يحتوي تفصيل عن حياتها ... يحتوي جنونها ...   الحياة مغامرة لاتنتهي أبداً, عندما تغلق بوابة تفتح لك بوابة اخرى, قد تكون بداية تلك البوابة سعادة أو تعاسه, وقد تجد السعادة في متوسط مشوارك للبوابة الاخري وقد تجدها في نهاية المطاف لبداية جديدة أو بوابة اجدد تحمل عنوان المستقبل المعروف عند البعض بإسم ( المجهول), وما لا تعلمه حقاً أن بين كل حلقة وحلقة من السعادة هناك هوه أو فجوه أو منعرج من الحزن والكئابة ينتظرك والعكس صحيح, فالحياة كالرسم البياني, تارة تكون فوق وتاره في الاسفل وتاره تسير في خط مستقيم, مازالت الحياة لغز يعجز الانسان علي حلة ... لكنني اجدها معادلة يسهل التعامل معها لو قدرنا علي فك شفرتها والتواصل بشفافية وتقبلها بدون ألاعيب, بدون مراوغه وبدون أقنعه . هل جلست في إحدي الايام تتمعن صفاء السماء تصمت صوت العالم من حولك الا صوتك الداخلي, في يديك اليمني شوكولاته كيت كات وفي يديك اليسرى فنجان من الكابيتشينو, وتتسأل بتلقائية " أنا مبسوط ولا لا!!, حياتي راضي عنها؟؟, أنا موجود علي وجه الارض ليه؟" أما في حالتي فكان السؤال المتكرر " هو أنا بدور علي إيه؟ " كنت دائماً ومازلت اشعر وكأن هناك شئ من بعيد يناديني بإسمي وكان هناك صوت أو خطوات ظل تتبعني, روح ضائعة تبحث عني لتستقر بداخلي بمشيئتي أو رُغماً عني . يأتيني صوت زميلي في العمل عبر الهاتف " أنا مش فاهم أنتي ازاي لحد دلوقتي مش مرتبطة !! بنت في سنك وجمالك والي يعرفك صعب ينساكي او يدخل واحدة تانية مكانك" تعلو ضحكاتي بتلقائية كالعادة " الحياة ما بتديش الواحد كل حاجة وانا كده مبسوطة ومرتاحة كده والحمد لله, مش كل راجل بنقابلة بيكون كويس وانا عندي شغلانة حلوة وبحبها واصحاب بعتز بيهم وبصداقتهم ودا الاهم ولا انت شايف ايه بقي؟؟ " في طريق عودتي من المدرسة ( مقر عملي ) إلي المنزل رن هاتفي برقم لم اعتاد ان اراه علي شاشة الهاتف أجبت الاتصال بصوت بارد " ألو ... " أتي صوته من الطرف التاني "وحشتيني " تعالت فوق نبرات صوتي ذبذبات السخرية " شكرا... ميحوشكش غالي إن شاء الله " بنبره حاده اجاب " أنتي مش عرفاني؟ " " بصراحة مش عارفة", بتعجب ظاهر قال " بجد مش عرفاني" وببرود منذ مده وهو يعتليني أغلق الهاتف يمر الانسان بمراحل يتقلب فيها فكريا وجسدياً, قد يتقلب الانسان ويتبدل شكله وعقله سوياً وأحياناً كل منهما علي حِدا, من الطفولة إلي المراهقة إلي مرحلة الشباب إلي سن النضج إلي الشيخوخة ليصبح كهل, فإحدي المرات وانا أستمع إلي اذاعة القرآن الكريم أسرتني معلومة لم اتحقق من صحتها بعد أن مرحلة المراهقة هي المرحلة ما قبل البلوغ من سن التاسعة إلي الثالثة عشر , فأي مرحلة أمر بها الان؟ وأي مرحلة يمر بها هو !!! كل تلك الافكار كانت تغزوني وانا عائدة إلي منزلي . أسكن في شقة صغيرة أنا وصديقتاي " عنبر وزبيدة", جمال عنبر لا يوصف بالكلمات جمال مصري متأصل فرعونية الملامح بجسد فرنسي القوام ,سمراء اللون ومرحة الروح,راقية التفكير ,عالية التعليم كما يٌقال " مولوده وفي بوقها معلقة دهب" بنت من الصعيد ووالدان في الخليج وحيدة, لا تملك في الحياة سوانا أنا وزبيدة وهلا وأوليفيا . بالنسبة لزبيدة فهي بدينة الجسد في الواقع كلما حاولت زبيدة من إنقاص وزنها كلما بهت جمال وجهها, بيضاء البشرة طولها مناسب إلي حد ما, ذات نظر ضعيف تكره العدسات بشدة لذلك تفضل دائما ارتداء النظارت وتمتلك مجموعة من النظرات لتتلائم مع الوان ملابسها, المسؤلة الاولي عن مطبخ المنزل, مغرمة باللغة الصينية واليابانية والكورية, يتيمة الوالدان لديها شقيق أكبر منها مهاجر إلي إيطاليا ولم تتواصل معه منذ خمس سنوات واكثر, تعمل كطباخة في احدي المطاعم الصينية الكبيره في مصر . أما أنا فإسمي هبة الله مدرسة لغة انجليزية في مدرسة راهبات بمصر الجديدة, في منتصف العشرينيات وأنا اصغر عنبر بخمس سنوات وزبيدة بثلاثة سنوات في حين أني أكبر هلا وأوليفيا بعامين, حساسة إلي أبعد الحدود لدي القدرة علي احتواء الجميع في حين يصعب علي إجاد من يحتويني . الحالة الكوميدية لا تغيب عن منزلنا أبداً فدائماً تجد عنبر تتحدث بالفرنسية وزبيدة باليبانية او الصينية في حين ألتزم بالصمت لمشاهدة السحر الغريب والمزج المنفرد بين السُباب الفرنسي والصيني . اليوم الخميس والخميس يعني نهاية الاسبوع, إجتماع الفتيات علي العشاء والسهر أمام فيلم من اختياري علي جهاز الدي في دي . سنتشاهد الليلة فيلمي المفضل "ليلة بكي فيها القمر " ( إلي بيحب حقيقي عمره ما بيخون ) قصة الحب الوهمية في الفيلم مبنية علي تلك الجملة الرديئه, أكذوبة الصدق, جعلها تشعر بالامان فتملكها ومن ثم تركها لمصيرها, لتحصد الألم من بذور الحب, لتسير في درب النسيان تتأمل زهور الحب الجافة لتبروزها بإطار الذكريات, في حياة كل فتاة مننا قصة حب فاشلة وقصة ألم وقصة عابرة وقصة لا تُغتفر وقصة لا تنسي وقصة لا تنتهي . " أنتي بتحبي الفيلم دا ليه يا ست هبة؟؟ دا فيلم كئيب وعدي عليه مليون دهر يا بنتي " تسألني أوليفيا ويأتي من خلف صوتها صوت ضحكات الفتيات من المطبخ وهم يعدون النسكافية مع الحليب والفيشار والخبز المحمص المغطي بجبنة الفيتا الفيلم دا بيلمسني قوي, بيفكرني بقصة حبي وبقصة حب أمي وقصة حب صحبتي, الفيلم دا يا أوليفيا في حياة كل واحدة فينا بصورة أو التانية بدهشة " أزاي يعني؟ هو كل واحدة فينا كانت فنانة مثلا واتجوزت حسين فهمي وانتشاليته من الضياع وخلقته من العدم وخليته بني ادم وكان اصغر منها بكتير وفجأة تلاقيه بيخونها مع واحدة اصغر منها بكتير وفي النهاية تقف ع المسرح وتغني لا يا قلبي لا خاليك قد التحدي !!!" بهدوء شديد " يا حبيبتي الي انتي متعرفهوش ان فعلا كل واحد فينا فنان, بس كل واحد فينا عنده حاجة مميزه بيبرع فيها ومشهور بيها, يعني مثلا عندك "هلا" أحسن واحده تعرف تروق وتنسق البيت وتخالي الخرابة جنة بلمسات سحرية, عندك زبيدة أحسن واحدة تعمل طاجن سمك او صنية مكرونة بشاميل ولا ايه؟ الطبخ فن نوع من انواع الفنون وذوق خاص وراقي جدا وعنبر ماتلاقيش زايها اتنين بتعرف تعمل الاكسسوارات الجميلة دي ولا أنتي شايفة ايه؟ مش شايفة ان دا نوع من انواع الفنون, إنتي عن نفسك يا أوليفيا فنانة بالفطرة استاذة في التقليد بتقدري تقلدي اي حد بجدارة وامتياز دا انتي بتعبريه ايه؟ " تنهي الحديث بكلمة واحدة " ماشي", تتركني لتنضم إلي الفتيات في المطبخ, وتصرخ عليهم قائلة " فين النسكافية يا غجر والسندوتشات انا جعانة وسبتوني لوحدي مع السايكو, إلي بتحلل الناس بطريقة فلسفية وبرغم كده مش عايزة تدرس فلسفة "   تنتهي أمسية يوم الخميس بخسارة كل من هلا أمام عنبر في الكوتشينا و أوليفيا أمام زبيدة في الدومانوز. منزلنا المتواضع أبداً لا يخلو من الالعاب الطاولة, الدومانوز, السلم والتعبان و الكوتشينا ... في الواقع الكوتشينا علي رأس القائمة فهي اللعبة التي تجمعنا نحن الخمسة سوياً. وهكذا تُنهي رسالتها له كجميع رسائلها السابقة بدون كلمة وداع .

هناك 8 تعليقات:

  1. جميله اخر حاجه حلوه جدا
    يسلم القلم اللى كتب والكيبورد اللى دقت الحروف والصوابع الى كتبت والدماغ اللى ابدعت
    تحياتى
    ابقى بصى على مدونتى (كلمه مستعاره)

    ردحذف
    الردود
    1. اولا ميرسي علي المرور والتحية الحلوة دي
      ثانيا من عينة طبعا :)

      حذف
  2. بجد رائعه جداااااااااااا ياهبه تسلم ايدك مستني كل جديدك

    ردحذف
    الردود
    1. الله يسلمك يا شريف ويارب دايما جديدي يعجبك

      حذف
  3. جميله يا هبه :)
    بس انا مش عارفه اتابع مدونتك اتابعها منين؟

    ردحذف
    الردود
    1. والله يا توتو انا مش عامله ليها متابعة مش عارفه اعملها ازاي دي بس هحاول واعملها باذن الله

      حذف
  4. متألقة كالعادة ... وكوتشينا دي هي مفتاح شخصيتك

    ردحذف
    الردود
    1. ههههههههههههههههههههههه انا مدمنة كوتشينا علي فكرة مع انه مش يبان عليا

      حذف

اهلا وسهلا بكم في مدونتي المتواضعة ( من تحت البلكونة)
وملحوظة :- أي كومنت من شخص مجهول مش كاتب أسمة او فيه ألفاظ خارجة او بيتكلم في موضوع خارج عن النص هامسحة :)